
يواصل محمد السوسدي الحكي:
كنت بسينما شهرزاد أتابع أحد الأفلام، فإذا بالأضواء تشتعل داخل القاعة، وسمعت شخصا ينادي باسمي بواسطة الميكروفون، لما خرجت وجدت شخصين ومعهما البختي، اعتقدت أن الأمر يتعلق ببحث بوليسي جديد، لكن طمأنني البختي الذي تفهم حيرتي حين قال لي "جلالة الملك الحسن الثاني يريدنا اليوم من أجل إحياء ذكرى المسيرة الخضراء"، توجهت على الفور إلى المنزل وغيرت ملابسي، رافقنا أيضا إلى هذا الحفل بزيز وباز ولطيفة أمل وعبد العاطي آمنا والثلاثي آمنا•
أول مرة كنا سنرى فيها الملك وجها لوجه، في الطريق كنا نفكر في هذا اللقاء خصوصا وأن الدهشة والارتباك لازمانا على طول الطريق، أدينا التحية لجلالته، رحب بنا وكان يخاطبنا ب "وليداتي"، أحسسنا فعلا أننا أمام أب يعرف أبناءه جيدا• دفء اللقاء أزال عنا الدهشة قبل أن نقدم أمامه عرضنا•
غنينا أمام جلالة الملك مجموعة من الأغاني، ضمنها أغنية أمانة ومجمع العرب وبغيت بلادي، هذه الأخيرة التي طلب جلالته إعادتها أكثر من خمس مرات، الأغنية تقول:
بغيت بلادي يامي آه
بغيت بلادي راه الدنيا مادوم
بغيت بلادي راه الغربة مادوم
غراتك ورماتك في بحر مالوش سواحل
في الدل تقيم ليلاتك
والصابر في الناس عاقل
سر الخاطر يتغير
وعلى بلادي عوال
وقد أمر رحمه الله من التقنيين بأن يسجلوها كاملة، لقد كانت له دراية كبيرة بالتراث وقد فاجأنا حين طلب منا أن نغني شيئا من التراث الصحراوي، فأدينا أغنية "كبايلي الدحميس" التي أهدتها لنا مجموعة اولاد نانة الموريتانية، وأعجبته كثيرا•
لقد كنا أمام رجل فنان• حيث شجعنا كثيرا وقال لنا "واصلوا•• إن بإمكانكم التجوال في بلدكم بدون بطاقة وطنية"•
هذه الكلمات رفعت من معنوياتنا كثيرا، فبعد إزعاج كبير من طرف رجال السلطة، نجد ملك البلاد يفهم الفنانين•
لقد عزف جلالته تلك الليلة بعض السنفونيات على آلة "الاورك"، وهو ما أكد أننا في حضرة فنان كبير•
بعد هذا اللقاء الذي لن أنساه أبدا، خصوصا ما تخلله من عطف جلالته علينا، عدنا إلى الدار البيضاء وكأننا قد ولدنا من جديد، فالسلطات لما علمت أن جلالة الملك دعانا لإحياء حفل ذكرى المسيرة الخضراء، "أفرجت" عن كل التصاريح التي كنا قد تقدمنا بها إليها من أجل إحياء حفلات في مختلف مدننا المغربية•
كما قلصت من تلك المضايقات التي كانت تفرضها علينا والتي كانت قد وصلت إلى حد منعنا من مغادرة التراب الوطني، وقد حصل هذا لما كنا في المطار رفقة الحاج الدمسيري والدمسيرية، نريد التوجه إلى هولندا للمشاركة في إحدى الحفلات، حيث أخذوا جوازات سفرنا ونقلونا إلى حديقة قرب المطار وطلبوا منا الانتظار• وأتذكر ساعتها الحاج الدمسيري رحمه الله الذي همس في أذني قائلا "وصلنا للمطار وما طرناش"•• مكثنا في تلك الحديقة مدة يوم بكامله من العاشرة صباحا إلى التاسعة ليلا، حيث قدم إلينا أحدهم وقال لنا عودوا إلى منازلكم • لم نعلم من منعنا من السفر ولم نعلم حتى لماذا هذا القرار••
بعد ذلك الانفراج ، قمنا بجولة في المغرب، بعدها جاءتنا دعوة للمشاركة في احتفالات الفاتح بليبيا، سافرنا إلى هناك رفقة مجموعة "تكدة".


